اليكسي تيفانيان: التعاون المصري الروسي يمر بأزهى عصوره في الوقت الحالي.
أراب فاينانس: يشهد 26 أغسطس الحالي احتفال مصر وروسيا بالذكرى الرابعة والسبعين على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ومع ازدهار الأنشطة والفاعليات والروابط الاقتصادية والثقافية التي تجمع بين البلدين، والإعلان عن إقامة محطة الضبعة النووية في مصر، يعتقد اليكسي تيفانيان- مدير المركز الروسي للعلوم والثقافة في مصر أنّ علاقات التعاون والصداقة بين مصر وروسيا تمر بأزهى عصورها في الوقت الحالي، خاصة بعد العديد من الفترات التي شهدت فيها هذه العلاقات نوعاً من الفتور.        
وقد نتج عن الاتفاقيات التاريخية الهامة التي وقعتها الدولتين منذ منتصف العِقد الماضي، توطيد العلاقات المصرية الروسية التي وصلت لقمتها في الفترة الحالية، حيث أكدت تلك الاتفاقيات بوضوح على عودة روابط الصداقة بين مصر وروسيا في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق. ففي أبريل 2005، وبعد قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأول زيارة رسمية لمصر والتي اعتُبرت أول زيارة يقوم بها زعيم روسي للبلاد منذ أكثر من 40 عاماً، أصدرت مصر وروسيا بياناً مشتركاً حول دعم علاقات الصداقة والتعاون بينهما، وهو ما مهّد الطريق لمستوى جديد من الشراكات الاستراتيجية بين البلدين.    
وفي عام 2014، كانت روسيا هي الدولة غير العربية الأولى التي يزورها معالي رئيس الجمهورية/ عبد الفتاح السيسي بعد توليه مهام منصبه.
ولكي نتمكن من فهم طبيعة العلاقات المصرية الروسية المتميزة في الوقت الحالي، علينا أن نتذكر جيداً أنّها ليست وليدة اليوم. فالدولتان تتمتعان بتاريخ طويل وممتد من العلاقات الثنائية، وهي علاقات تتجاوز بكثير مجرد التعاون في المجال السياحي (شغلت روسيا لسنوات طويلة المرتبة الأولى من حيث عدد السائحين الزائرين لمصر)، حيث تربط البلدين علاقات تعاون قوية في المجالات الثقافية والتعليمية والعلمية نتج عنها إنجازات اقتصادية وفنية هامة ومؤثرة.
وبالتأكيد يأتي السد العالي في مقدمة هذه المشروعات الاستراتيجية التي غيرت حياة المصريين كنتيجة مباشرة للتعاون بين مصر وروسيا. قام بتصميم السد العالي عددٌ من المهندسين السوفييت، وتم بناء السد العالي بمساعدة ودعم الاتحاد السوفييتي السابق. وقد كان للسد العالي آثاراً بالغة في حياة ملايين المصريين، خاصة مع تأثيره الواضح على الاقتصاد المصري، حيث كان السد العالي سبباً رئيسياً ومباشراً في تأمين احتياجات البلاد من الغذاء والمحاصيل الزراعية، كما كان من العوامل المحفزة للنهضة الصناعية التي شهدتها مصر. وبمساعدة عدد من الخبراء السوفييت، أقامت مصر مصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي. وخلال عصره الذهبي، ساعد الاتحاد السوفييتي مصر في بناء أكثر من 100 مشروع صناعي كبير، وهو ما كان له دوراً حيوياً في تحديث ونمو الاقتصاد المصري.  
ومن المشروعات التي لم تلق شهرة كبيرة في ذلك الوقت، إقامة مصر لأول مفاعل نووي للأغراض البحثية من طراز ETTR-1 وهو المفاعل الذي دشنته مصر بمساعدة الخبرات السوفييتية في منطقة أنشاص عام 1961. وقد شهد هذا التاريخ بالتحديد انطلاق الحلم النووي المصري لأول مرة، وهو الحُلم الذي استمر لأكثر من نصف قرن وها هي مصر على مشارف تحقيقه قريباً.
من ناحية أخرى، كان التعليم والثقافة من المحطات المحورية في علاقات التعاون المصرية الروسية، وهو ما ساهم في تحقيق قدر كبير من الفهم المتبادل بين شعبي البلدين. فالمركز الروسي للعلوم والثقافة من أقدم المراكز الثقافية في مصر، حيث تأسس عام 1956. وفي عام 1995 وقعت مصر وروسيا اتفاقية حكومية للتعاون الثقافي تضمنت العديد من أوجه التعاون، كان من بينها مجالات الآثار ودراسة اللغات والبحث العلمي.   
يلعب المركز الروسي للعلوم والثقافة دوراً نشطاً في تعميق أواصر التعاون بين مصر وروسيا من خلال إقامته للعديد من الأنشطة والفاعليات المتنوعة منها تدريس اللغة الروسية وفصول تعليم الموسيقى والباليه. يقوم المركز أيضاً بتنسيق برامج التبادل الطلابي بين البلدين، والتي تُقام تحت رعاية الحكومة الروسية، حيث يحدد المركز مدى توافر برامج التبادل للطلبة المصريين وعدد الطلبة المطلوب انضمامهم لهذه البرامج، والعمل بشكل وثيق مع الجامعات المصرية والروسية في هذا المجال. إنّها مهمة شيقة للغاية يفخر المركز الروسي بكونه جزءا منها.
 وعلى مدار العقود الماضية، تلقى آلاف المصريين تعليمهم وتدريبهم المتخصص في الجامعات الروسية والسوفييتية، ومنهم العديد من الأشخاص الذين مازالوا يشغلون مناصب مرموقة في الحكومة والجامعات المصرية والقطاع الصناعي ومركز البحوث. وفي عام 2006، تم افتتاح الجامعة الروسية في مصر، بهدف الترويج للحوار الثقافي المتبادل بين البلدين. بالإضافة لذلك، يدرس مئات الطلبة المصريين حالياً في الجامعات الروسية، وهو ما يُمثل حلقة هامة تأتي استكمالاً لعقود طويلة من تبادل المعرفة والثقافة والعلاقات المتميزة بين البلدين.    
في سياق آخر، يُعد الاستخدام السلمي للطاقة النووية مجالاً جديداً وتوجهاً استراتيجياً للعلاقات والتعاون بين مصر وروسيا. ففي عام 2008، وقعت مصر وروسيا على اتفاقية تعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، تلاها عام 2015 توقيع البلدين على اتفاقية حكومية للتعاون في إقامة وتشغيل أول محطة نووية مصرية في منطقة الضبعة، وهو ما يُعد أكبر مشروع مشترك بين البلدين في تاريخهما، منذ إقامة السد العالي في أسوان القرن الماضي.    
وفي ضوء هذه الاتفاقية، من المتوقع أن تتزايد الأماكن المخصصة للطلبة المصريين في الجامعات الروسية بشكل هائل، خاصة مع الاهتمام المتزايد من الشباب المصريين لدراسة العلوم النووية في روسيا. واليوم هناك حوالي 40 طالباً مصرياً يدرسون العلوم والمناهج النووية في كبرى الجامعات الروسية كي يخدموا بلادهم ويساهموا في تطوير القطاع النووي بمجرد انتهائهم من دراستهم هناك. بالإضافة لذلك، هناك عدد من اتفاقيات التعاون في مجال البحوث النووية والتدريب بين روساتوم، المؤسسة الحكومية الروسية المتخصصة في المجال النووي والتي ستقوم بإنشاء محطة الضبعة النووية، وبين الجامعات المصرية مثل جامعة الإسكندرية المتخصصة في هذا المجال.          
ومع متانة العلاقات المصرية الروسية في المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية على مدار 74 عاماً، نجد أن الدولتين تتطلعان للمزيد من التعاون خاصة مع قرب تحقيق مصر لحلمها النووي الذي راودها لعقود طويلة. إنّ محطة الضبعة النووية من شأنها التأثير بصورة غير مسبوقة على مصر والمصريين، حيث من المتوقع أن تحقق تلك المحطة العديد من التغيرات الإيجابية ليس فقط في قطاع الطاقة المصري، من خلال توفير طاقة نظيفة واقتصادية لملايين المصريين والشركات العاملة في مصر، ولكنها ستساهم أيضاً في خلق آلاف الوظائف والفرص التعليمية، وتوليد إيرادات ضريبية بمليارات الدولارات، ودعم نمو عدد من الصناعات المصرية بما فيها قطاع الإنشاءات والقطاع الاستهلاكي وغيرها. إننا نتشرف في روسيا بمواصلة تعاوننا مع مصر في هذا التوقيت الهام، كما نتطلع لعقود طويلة قادمة من التعاون المثمر من أجل مصلحة شعبينا.   
Source: Arab Finance