على مدار الأشهر القليلة الماضية شهد العالم موجة من الكوارث الطبيعية ذات الحجم الهائل والقوة المدمرة: فقد دمر إعصار هارفي في تكساس وإعصار إيرما في فلوريدا وإعصار ماريا في بورتوريكو مناطق بأكملها، مما أدى إلى فقدان مئات الآلاف من الأشخاص لوسائل الراحة الأساسية مثل السكن والكهرباء أو حتى المياه. وبما أن الخسائر النهائية لهذه الكارثة لم تحسب بعد، إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن الأضرار تتراوح بين 150 مليار دولار و200 مليار دولار، فمن المتوقع أن تصنف على أنها أكثر الكوارث الطبيعية سوءاً في التاريخ الأمريكي من حيث الخسائر المادية -وبدأ الكثيرون يتساءلون عما إذا كان أكثر الدول تقدما في العالم مستعدة لمواجهة ومعالجة آثار الكوارث الناجمة عن تغير المناخ على نحو كاف أم لا.
 
وعلى ذلك، يأتي أمن الطاقة في المقدمة حيث تواجه المناطق التي تضررت من الكوارث أزمة إمدادات الطاقة في حين أن قطاع الطاقة في الولايات المتحدة تعرض لضربة قوية. فقد تم وقف أكثر من خُمس إنتاج النفط في البلاد كما تم تعليق عمل معامل التكرير بسبب العاصفة. فمع اندلاع الكارثة، انطلقت سلسلة من الحرائق والانفجارات في مصانع الصناعات الكيميائية، الامر الذي اثار قلقا شديدا بشأن سلامة المصانع التي تعمل بالغاز.كما عانت مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من انقطاعات شديدة في توليد الطاقة، مما أدى إلى خسارة تصل إلى 3.6 جيجاواط في إنتاج طاقة الرياح وحدها بالإضافة إلى التهديد بالمزيد من الإغلاق. ومن المتوقع أن تكون عملية تشغيل هذه المزارع بكامل طاقتها عملية مكلفة للغاية.
 
وفي خضم الفوضى والتنبؤات المخيبة للآمال، لم تتأثر مصادر الطاقة النووية بالكارثة. وفي تكساس، واصل المفاعلان النوويان في محطة جنوب تكساس بالقرب من هيوستن العمل بكامل طاقتهما خلال إعصار هارفي وهو الأسوأ على الإطلاق، مما أدى إلى إنتاج الطاقة الكهربائية دون انقطاع، تماما كما هو الحال في أي يوم آخر من السنة. وفي فلوريدا، لم تتأثر كل محطات الطاقة النووية في الولاية Turkey Point و St Lucie بإعصار إيرما، ولم يتم إغلاقها إلا كإجراء احترازي لأن كلاهما يقعان مباشرة على خط العاصفة.
 
هذا النمط نفسه كان قائما على مر التاريخ: سواء كانت عاصفة أو فيضانات أو زلزال ضرب منطقة، فقد ثبت أن محطات الطاقة النووية قوية بشكل ملحوظ ومرنة تجاه القوى المدمرة لهذه الكوارث. فعندما هز زلزال قوته 7.0 أرمينيا في عام 1988، مما أسفر عن مقتل عدد من عشرات الآلاف، تاركا أكثر من نصف مليون شخص بلا مأوى ودمر ما يقرب من 40% من الصناعات في البلاد، وفرت محطة الطاقة النووية الأرمنية حوالي 35٪ من الكهرباء في البلاد ، ولم تقع أي أضرارا بل وظلت تعمل بكامل طاقتها، مما يعني أنه يمكن إغلاقها بأمان كإجراء احترازي من جانب الحكومة الأرمينية.
 
وتعليقاً على ذلك يقول الدكتور يسري أبو شادي، خبير الطاقة في الأمم المتحدة، وكبير المفتشين السابقين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والرئيس السابق لقسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية: "إن تصميم المنشآت النووية الحديثة يأخذ في الاعتبار وقوع أسوأ الكوارث الطبيعية، بما في ذلك الزلازل وأعاصير تسونامي وغيرها من الكوارث الطبيعية. وعلى النقيض من ذلك، فإن مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة ليس لديها أي هيكل للسلامة لحمايتها على هذا النطاق من أي كوارث طبيعية." وقد لا تعرف مصر بأنها منطقة معرضة بشكل خاص للأعاصير أو الفيضانات أو النشاط الزلزالي؛ ولكن في عصر أصبح فيه التغير المناخي قد أصبح حقيقة واقعة، أصبح توفير مصدر نظيف ومستقر للطاقة بحيث يكون مقاوماً للكوارث الطبيعية أمراً ضرورية لأي بلد تريد مستقبلا مستداما وآمنا لشعبها واقتصادها.
 
وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد العاطي سلمان، الرئيس السابق لهيئة المواد النووية في مصر: "صحيح أن الأعاصير والفيضانات نادرا ما تحدث في مصر، في حين أن إنشاء محطة للطاقة النووية في مصر أمراً ضرورياً للاستخدامات السلمية، وعلى وجه الخصوص توليد الطاقة. فإن إنشاء المحطات النووية في مصر يمثل إضافة إلى القدرات الإنتاجية لموارد الطاقة الأخرى مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية ومحطات الطاقة التقليدية. هذه الإضافة ضرورية لتلبية احتياجات المشاريع التنموية الضخمة الحالية والمستقبلية، وهذا أمر مهم لزيادة الدخل القومي وبالتالي رفاهية المجتمع المصري".
 
وعلى غرار الرياح والطاقة الشمسية، تعتبر الطاقة النووية مصدرا للطاقة النظيفة، وتسهم مساهمة كبيرة في مكافحة تأثير تغير المناخ. ويوضح الدكتور أبو شادي: "الطاقة التي تنتجها محطات الطاقة النووية مستقرة ومستدامة على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع دون أي انقطاع. ولا تتأثر الظروف الجوية، على عكس مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما أنها لا يتأثر بعدم توافر الوقود، على عكس المحطات الحرارية التي تعتمد كليا على إمدادات النفط والغاز أو الفحم. كما أن عمر المحطة النووية لا يقل عن 60 عاما." كما يستعرض الدكتور عبد العاطي سلمان مميزات السلامة التي تتمتع بها المحطات النووية لمصر قائلاً: "ستتمتع محطة الضبعة للطاقة النووية بأعلى معايير السلامة. وقد وضعت الدراسات التي تم إجرائها على الموقع في الاعتبار جميع المتطلبات وفقا للمعايير الدولية لإنشاء المحطات النووية. وقد أجريت هذه الدراسات من قبل العديد من الشركات المتخصصة في اختيار مواقع محطات الطاقة النووية". وفي تعليقه تقنية مفاعلات الجيل الثالث VVER-1200 والتي سيتم استخدامها في محطة الضبعة المووية أول محطة نووية في مصر أكد الدكتور عبد العاطي سلمان على قدرات التحمل التي لا مثيل لها للكوارث الطبيعية. وأضاف: " في الواقع تم اختبار هذه التكنولوجيا في ظروف أكثر تطرفا بكثير من تلك التي كانت موجودة خلال حادث فوكوشيما".
 
ومن جانبه يؤكد الدكتور/ محمد السبكي، أستاذ في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، أن تدابير السلامة في محطة الضبعة النووية الجديدة مرتفعة جدا، ونحن بحاجة إلى زيادة الوعي بشأن هذه التدابير الأمنية وتدابير السلامة بين المهنيين والسكان في المناطق المجاورة، وحتى في المناطق البعيدة عن موقع المشروع". وكما يتضح مرارا، أن الصناعة النووية مستعدة على نحو أفضل لخدمة ودعم البلدان التي تعاني من أزمات. مما يعد نقطة قوة لصالح الطاقة النووية ويجعلها جزءا حيويا من مزيج الطاقة في أي بلد يريد مصدر نظيف ويمكن الاعتماد عليه للطاقة.
Source: Sada Elarab