قال الدكتور يسرى أبوشادى، كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخبير فى تصميم المفاعلات النووية، إن مشروع المحطة النووية فى منطقة «الضبعة» أدخل مصر مرحلة جديدة تستطيع خلالها التحول إلى دولة مصدرة للكهرباء. وشدد فى حواره مع «الدستور»، على أن المفاعل الروسى من أفضل المفاعلات فى درجة الأمان النووى، واحتمالات وقوع حوادث فيه تعادل واحدًا فى المليون، بل وتقترب من الصفر، كاشفًا عن أن عائد المفاعلات الأربعة التى ستتضمنها المحطة يبلغ ٥ مليارات دولار سنويًا، فيما تحتاج مصر ٥ سنوات فقط لسداد القرض الروسى الخاص بإقامة المحطة. ■ هل يمكن القول إن مصر دخلت عصرًا جديدًا بمشروع المحطة النووية فى «الضبعة»؟ - مصر وقعت لأول مرة عقد إنشاء أول محطة نووية فى تاريخها، وهذه خطوة كبيرة جدًا طال انتظارها منذ ٦٠ عامًا، تُحسب للنظام المصرى الحالى. ■ كيف تتوقع رد فعل الولايات المتحدة بعد توقيع عقد المحطة مع الشركة الروسية؟ - الولايات المتحدة ليس لها أى دخل فى المشروع، ومن المحتمل أن تكون الشركات النووية الأمريكية فى حالة إحباط، لأن مصر دولة محورية فى إفريقيا والشرق الأوسط، والعالم كله، واختيار مصر لشركة روسية لتنفيذ مشروع بهذه الضخامة، رسالة سلبية بحق الشركات الأمريكية التى تعمل فى هذا المجال، ومحاولات أمريكا لإثناء مصر عن إنشاء محطات نووية لم تعد لها قيمة. ■ لماذا اختارت مصر تحديدًا الشركة الروسية من بين ٥ عروض أخرى؟ - من الطبيعى أن تتم الإنشاءات الضخمة عبر طرح مناقصات والمفاضلة بين الشركات التى تقدم عروضها، لكن فى المجال النووى الأمر مختلف قليلًا، ونصحت القيادة السياسية بالابتعاد عن نظام المناقصة، خوفًا من إهدار مزيد من الوقت. الشركات التى تعمل فى المجال النووى، ٥ شركات عالمية، معروف تاريخها بشكل مسبق، ويمكن بسهولة شديدة استبعاد ٣ منها، مثلًا الصين لأنها لم تبن أى مفاعل بخبرات محلية كاملة، وأمامها ١٠ سنوات، وفرنسا لديها مشكلات كبيرة فى المفاعلات التى تشيدها بالفعل، واستغرقت عملية بناء ٤ مفاعلات فى ٣ دول ما يزيد على ١٠ سنوات، وتوقف البناء لوجود خلافات حادة بين الشركة الفرنسية والدول، نتيجة للتأخير والمشكلات الفنية. ويمكن كذلك استبعاد شركة «وستنجهاوس»، الأمريكية، التى كانت سببًا فى تعطيل المشروع النووى المصرى، عندما وقع أول اختيار مصرى لبناء المفاعل على هذه الشركة فى الستينيات. تتبقى الشركة الروسية «روس أتوم»، والكورية «كيبكو» التى تعمل فى الإمارات، ويوجد تنافس قوى بينهما، لكن من يفهم فى التكنولوجيا النووية، سيختار بالتأكيد الروس، لحداثة التكنولوجيا التى يستخدمونها، وارتفاع معدلات ودرجات الأمان لديهم، إلى جانب خبرتهم الطويلة، فروسيا لديها ٤٤ مفاعلًا مماثلًا لما سيتم إنشاؤه بمصر، فى العديد من الدول، وحاليًا لديها ٤٠ مفاعلًا آخر فى أكثر من ١٧ دولة ستكون من بينها مصر. ■ ما تأثيرات المفاعل النووى على الاستثمار فى الطاقة مستقبلًا؟ - مصر ستولد ما يقرب من ٥٠٠٠ ميجا وات، بما يعادل ١٧٪ من كهرباء مصر حاليًا، من أرخص أنواع الطاقة الموجودة، فإذا ما قورن سعر الكيلو وات المتجدد، والوقود النووى، نجد أن المحطة النووية تحتاج إلى ٢٠ مليون دولار فى العام، بينما المحطة المماثلة لنفس قدرتها بالغاز الطبيعى تحتاج لمليار دولار سنويًا، بنسبة تكلفة ١ إلى ٥٠، كما أن عمر المحطات التقليدية من ٢٠ إلى ٣٠ عامًا، بينما عمر المحطات النووية يتراوح ما بين ٦٠ و٨٠ عامًا. ■ هل ترى ضرورة مشاركة مصر بشكل مباشر فى عملية تشغيل المفاعل؟ - بالنسبة للعمل سيكون مقسمًا بين ٨٠٪ لروسيا و٢٠٪ لمصر على الأقل، وبعد التشغيل سيكون لمصر دور رئيسى على خطوات، لأنه من ضمن العقود الموقعة ما يتعلق بالتشغيل والصيانة، تضمن أن الروس سيدعمون الجانب المصرى فى ذلك لمدة ١٠ سنوات من بداية تشغيل كل مفاعل، وسيكونون مسئولين عن تدريب المصريين وتأهيلهم بشكل كامل، وهو ما حدث فى السد العالى، الذى تعلم المصريون تشغيله من الروس خلال عامين فقط. ■ بقدر فوائد الطاقة النووية، يتخوف الناس من مخاطرها عالية المستوى.. كيف ترى الأمر؟ - الطاقة النووية من أنظف مصادر الطاقة فى العالم، وتحتل المركز الثانى فى مصادر الطاقة من حيث التأثير على البيئة، بعد الطاقة الكهربائية عن طريق المياه التى تعد أقل طاقة تسببًا فى تلوث البيئة، ثم طاقة الرياح، وخلفها بمسافة الطاقة الشمسية. الطاقة الشمسية ينتج عنها تلوث ناتج عن جهاز تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء، وصناعة المرايا وأشباه الموصلات، والطاقة باستخدام الماء خطرة للغاية، وهناك بعض الدول الكبرى التى شاركت فى اتفاق البيئة تدعم بعض مشروعات الطاقة النووية لكونها طاقة نظيفة. ■ فى أوضاع التشغيل غير العادية.. ما أضرار الطاقة النووية؟ - أكبر حادثة فى التاريخ النووى كانت «تشرنوبل»، فى أوكرانيا، ولم يمت الكثير، وكان لهذا المفاعل وضع خاص عن باقى مفاعلات العالم، وفى حادثة «فوكوشيما»، كان المفاعل يعتمد على استخدام الماء الخفيف المغلى، وهو أكثر خطورة من الماء المضغوط، لكن المفاعلات الجديدة لروسيا، تجاوزت كل المشكلات السابقة فى تجاربها الحالية، وأستطيع أن أقول بصفتى مصمم مفاعلات نووية، إن المفاعل الروسى من أفضل المفاعلات فى درجة الأمان النووى، واحتمال وقوع حوادث فيه يعادل واحدًا فى المليون، أو يقترب من الصفر. ■ هل كل ذلك كافٍ للتخلص من أى قلق بشأن مفاعل الضبعة؟ - بالطبع كافٍ، وأضيف إلى ذلك أن مصر طلبت مواصفات أمان مبالغًا فيها عن المعتاد، فمقياس الزلازل تبدل من ٠.٢٤ إلى 0.3G (عجلة الجاذبية)، ليتحمل زلازل من أعلى المستويات، برغم عدم وجود نشاط لها فى مصر، كما تم تصميم الجزء الخارجى للمفاعل بشكل يقاوم مقذوفًا وزنه ٤٠٠ طن يضرب المفاعل بسرعة ١٥٠ مترًا فى الثانية، فلن يتأثر الغلاف، وأى محاولات إرهابية أو تفجيرات لن تؤثر مطلقًا على المفاعل، وهذا ما جعل التكلفة تزداد قليلًا. ■ فيما يتعلق بالتكلفة.. ما المدة الزمنية التى تتوقع أن يغطى المشروع نفقاته خلالها؟ - مصر لن تتحمل أى شىء فى التكلفة المحلية، خاصة مع وجود ١٥٪ من التكلفة على مصر متعلقة بثمن الأرض والعمل وبعض المبانى البسيطة، ولن ندفع فيها دولارًا واحدًا، و٨٥٪ من التكلفة تتحملها روسيا وتتعلق بتصنيع المفاعلات فى موسكو، وسعر المحطة سيكون أقل من قيمة القرض البالغ ٢٥ مليار دولار، فالقرض فيه إضافات مالية، ونتوقع أن تكون التكلفة ٢١ مليار دولار فقط، ومصر لن تسدد أى قسط من القرض سوى بعد ٦ سنوات من تشغيل أول محطة و٣ سنوات من تشغيل آخر محطة. ■ ما الدخل الذى سيدره المفاعل على مصر خلال هذه الفترة؟ - المفاعل النووى الواحد سيدر دخلًا سنويًا يتراوح ما بين مليار ومليار ونصف المليار دولار، وسيكون إجمالى عائد المفاعلات الأربعة ٥ مليارات دولار سنويًا، وسنحتاج إلى ٥ سنوات لسداد القرض الروسى.
Source: Dostor News