أراب فاينانس: في الوقت الذي تقف فيه مصر على بُعد خطوات قليلة من إقامة أولى محطاتها النووية بمنطقة الضبعة، أصبح من الواضح أنّ مصر وعلى وجه الخصوص محافظة مطروح حيث تُقام المحطة الأولى، ستشهد عمليات تحول كبيرة تفوق بكثير الطفرة التي سيشهدها قطاع الطاقة المحلي نتيجة هذا المشروع القومي الكبير. ومن أجل استعراض تلك النقطة من خلال مثال عملي واضح، من المنطقي أن نُلقي نظرة على تأثير الطاقة النووية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية التي تحتضن محطات نووية مماثلة لمحطة الضبعة النووية وقامت ببنائها نفس الشركة، وهي شركة روساتوم، بل أنّ المحطة التي نستشهد بها هنا تضم نفس نوع المفاعلات النووية المتطورة التي ستضمها محطة الضبعة النووية وهي مفاعلات في في أي اير - 1200.
وستقودنا رحلتنا إلى وسط روسيا حيث بلدة نوفوفورونيج التي تضم أكثر من 30000 شخص وأول مفاعل نووي في العالم ينتمي لمفاعلات الجيل الثالث بلس (الوحدة 6 التي بدأ تشغيلها التجريبي أوائل 2017). فعلى مدار عقود وفرت محطة نوفوفورونيج الطاقة الكهربية لمنطقة فورونيج بأكملها (عدد سكانها 2.3 ميون نسمة)، حيث تكفي قدرات المحطة لتلبية 85% من الطلب على الكهرباء في المنطقة، و91% من الطلب على الكهرباء في بلدة نوفوفورونيج، كما توفر المحطة الطاقة اللازمة لأكثر من 20 مؤسسة إنتاجية صناعية. وعلى الرغم من أنّ توليد الطاقة يمثل أمراً حيوياً لتطوير المنطقة، إلا أنه لا يمثل سوى قمة جبل الجليد، حيث أنّ هناك مزايا وفوائد متعددة تصاحب هذه العملية.
فعلى سبيل المثال، تعد محطة نوفوفورونيج النووية أكبر الجهات الموفرة لفرص عمل في المنطقة، حيث توفر الآلاف من فرص العمل التي تتمتع بأجور تفوق متوسط أجور فرص العمل الأخرى للمتخصصين المحليين، وذلك لتخصصات عديدة (تشغيل المحطة وأفراد الصيانة والمهندسين وأفراد المعامل الفنية وغيرهم). من ناحية أخرى، لا تُعد المحطة هي أكبر دافعي الضرائب المنفردين في المنطقة فحسب، ولكن وقّعت شركة روساتوم ومحافظة منطقة فورونيج على اتفاقية تضمن توجيه ايرادات الضرائب الإضافية التي تدفعها مؤسسات روساتوم التابعة، لتمويل الموازنة المحلية لتنمية المنطقة واستخدام تلك الميزانية في تجديد الشوارع والمباني السكنية وإقامة ستاد نوفوفورونيج متعدد الأغراض.
بالإضافة لذلك، وباعتبارها واحدة من المؤسسات الرئيسية في المنطقة، تلتزم محطة نوفوفورونيج النووية بتنفيذ عدة برامج للتنمية المجتمعية، من خلال الاستثمار في مجموعة من المبادرات والمشروعات الاجتماعية، والعمل بشكل وثيق مع سلطات مدينة نوفوفورونيج بما يضمن مصلحة ورفاهية المواطنين في تلك البلدة. وتركز محطة نوفوفورونيج النووية بشكل تقليدي على التعليم والتنمية الشبابية، حيث تقوم المحطة بتمويل إنشاء وتجديد المنشآت الرياضية والمدرسية في بلدة نوفوفورونيج. ومن بين هذه المدارس المتطورة، مدرسة أتوم كلاس، وهي مدرسة متطورة للغاية تقوم بتدريس الفيزياء وتكنولوجيا المعلومات.
توفر المحطة أيضاً الدعم اللازم للطلبة الموهوبين للحصول على منح دراسية وخطابات توصية لكبرى الجامعات الروسية المتخصصة في التعليم النووي بما في ذلك الجامعة الوطنية الروسية للبحوث النووية.
وعلى مستوى العاملين بها، توفر محطة نوفوفورونيج النووية تأمينات ومزايا اجتماعية سخية للعاملين بالمحطة بالإضافة لخدمات الرعاية الصحية التي تتضمن اجراء فحوصات دورية مجانية ومنحهم عطلات مدفوعة في المنتجعات الصحية، والعلاج في مراكز التأهيل والعلاج المتخصصة. تستثمر المحطة أيضاً مبالغ كبيرة في تحسين البنية التحتية لبلدة نوفوفورونيج، ومن بينها إقامة نافورة موسيقية جديدة في الميدان الرئيسي بالبلدة وتجديد قصر الثقافة المحلي بها.
إنّ آثار هذه السياسة التي تركز على الأثر الاجتماعي للمحطة النووية كانت استثنائية بكل المقاييس. فوفقا لأرقام اللجنة الروسية للإحصاء الرياضي، فإنّ متوسط العمر المتوقع لعمال القطاع النووي الروسي أعلى بشكل ملحوظ من العاملين في جميع الصناعات الأخرى. ولا يُعد ذلك فقط نتيجة لجهود شركة روساتوم الروسية في توفير الرعاية الصحية عالية الجودة لموظفيها، ولكن نظراً لإحساس العاملين بالاستقرار الاجتماعي والمالي، والبيئة الآمنة التي تتمتع بها محطة الطاقة النووية في المنطقة.
وبالتالي، ليست مفاجأة بالمرة أن تُعتبر محطة نوفوفورونيج النووية من أكبر المساهمين في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمدينة والمنطقة، وهو ما يبرهن على أنّ الابتكارات في المجال النووي لها تأثير إيجابي كبير يتخطى قطاع الطاقة. ومن المتوقع أيضا حدوث تأثير إيجابي مماثل لمصر ومحافظة مطروح على وجه الخصوص. فإلى جانب الاعتماد على أحدث جيل من محطات الطاقة النووية في تلك المحطة، ستكون محطة الضبعة حافزاً قوياً للتنمية الاجتماعية وتحسين جودة حياة مواطني مطروح. ومن جانبه، يقول الأستاذ الدكتور/ يسري أبو شادي، كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقًا: "من المتوقع أن تشهد تلك المنطقة تطويراً كبيراً ومكثفاً لاستيعاب صناعات متنوعة واقامة مشروعات لتحلية المياه وتوليد الطاقة المتجددة وغيرها، وهو ما سيساهم بقوة في تحقيق التنمية الاقتصادية لمحافظة مطروح، بالإضافة لجعلها مركزا هاما للسياحة والتعليم على أعلى مستوى".