تشهد الأسعار في قطاع الطاقة ارتفاعات قياسية منذ بداية العام الحالي، نتيجة زيادة الطلب مع نقص في المعروض، فقد سجل الغاز ارتفاعاً بأكثر من 800 في المائة والنفط بأكثر من 85 في المائة والفحم بأكثر من 300 في المائة، ما رفع أسعار الكهرباء والبنزين حول العالم. في الوقت الذي تراجع فيه توليد الطاقة من الرياح بنسبة 32 في المائة خلال الأشهر الستة الأخيرة في أوروبا.

ترتبت على ذلك تداعيات عدة، كان أبرزها أزمة طاقة عالمية أدت إلى إفلاس شركات طاقة أوروبية وبريطانية، وتراجع الطاقة الإنتاجية لبعض السلع جراء تعطل خطوط الإنتاج ببعض المصانع، نتيجة انقطاع الكهرباء المستمر. وسط مخاوف من موسم شتاء قد يقسو بشدة على دول أوروبية وآسيوية، في ظل نقص مصادر التدفئة والتسخين.

في هذه الأثناء، برزت الطاقة النووية في خضم هذه الأزمة، كحلّ يراه البعض مستداماً والبعض الآخر يدعو إليه لتنويع مصادر الطاقة، مع دعوات بزيادة نسبة مساهمة الطاقة النووية في مزيج الطاقة العالمي.

ومع حقيقة أن الطاقة النووية تمثل حالياً ثاني أكبر مصدر للطاقة منخفض الكربون في العالم؛ حيث تبلغ مساهمة محطات الطاقة النووية 10 في المائة من إجمالي إنتاج الكهرباء على مستوى العالم، «تتقدمها محطات الطاقة الكهرومائية بنسبة مساهمة 16 في المائة»، فإن مكافحة التغير المناخي قد تتطلب العمل على تطوير قطاع الطاقة النووية باعتبارها مصدراً للطاقة الكهربائية منخفضة الكربون ومصدراً للطاقة الحرارية، للمساهمة في تخفيف آثار ظاهرة التغير المناخي.

«الشرق الأوسط» حاورت الرئيس التنفيذي لشركة روساتوم الروسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألكسندر فورونكوف، وهي من أكبر منتجي الطاقة النووية حول العالم، للتعرف على تفاصيل تطور الاعتماد على الطاقة النووية عالمياً، خاصة مع توسع الدول العربية في هذا المجال... فإلى نص الحوار...

حدثنا عن أهمية الطاقة النووية في مزيج الطاقة العالمي

نحن على يقين بأن الطاقة النووية جزء لا يتجزأ من منظومة الطاقة العالمية. إذ تقول تقارير وكالة الطاقة الدولية (IEA) المعروفة بحيادها، بشكل صريح، إن تحقيق أهداف إزالة الكربون التي حددتها اتفاقية باريس للمناخ لن يكون أمراً ممكناً من دون الطاقة النووية.

ويشير خبراء وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطاقة النووية تمثل حالياً ثاني أكبر مصدر للطاقة منخفض الكربون في العالم؛ حيث تبلغ مساهمة محطات الطاقة النووية 10 في المائة من إجمالي إنتاج الكهرباء على مستوى العالم، «تتقدمها محطات الطاقة الكهرومائية فقط بنسبة المساهمة 16 في المائة». في الوقت نفسه، كانت الطاقة النووية ولا تزال أكبر مصدر للكهرباء منخفض الكربون على مدار أكثر من 30 عاماً في البلدان ذات اقتصادات متقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا واليابان ودول الاتحاد الأوروبي.

لا تقتصر متطلبات المستهلكين المعاصرين على الكهرباء فحسب بل إنهم يسعون اليوم إلى الحصول على كهرباء نظيفة صديقة للبيئة قادرة على الصمود أمام تقلبات الأسعار التي نراها في السوق بشكل متكرر. والطاقة النووية تلبي هذه المتطلبات تماماً، بالنظر إلى أن محطات الطاقة النووية تنتج الكهرباء في أي ظروف جوية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وهي مصدر طاقة منخفض الكربون وصديق للبيئة، ولا تشغل مفاعلاتها مساحات كبيرة مقارنة بمصادر الطاقة النظيفة الأخرى التي تنتج الكمية نفسها من الطاقة الكهربائية. ويتيح الإنفاق المنخفض على الوقود في تكلفة التوليد النووي، الذي يبلغ من 10 إلى 15 في المائة فقط للمستهلك، التنبؤ بأسعار الطاقة المنتجة باستخدام الطاقة النووية طوال فترة تشغيل المحطة النووية التي تصل إلى نحو 100 عام. وهذا أمر مهم للغاية سواء بالنسبة للقطاع الصناعي أو للمستهلكين من القطاع الخاص.

وأخيراً، لا تكمن فائدة الطاقة النووية في توليد الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة فحسب، بل تسهم في تطوير مشروعات كبيرة للبنية التحتية تضمن نمواً مستداماً للمناطق التي توجد فيها لعدة عقود. وبالتالي تشكل تلك المشروعات قاطرة تسحب الصناعات ذات الصلة إلى الأمام وتخلق الظروف المواتية لتطور قطاع التكنولوجيا المتقدمة في البلاد.

 ما أهمية الطاقة النووية في تلبية زيادة الطلب على الكهرباء عالمياً، في ضوء ارتفاع حرارة الجو في كثير من الدول؟

تدرك اليوم أطراف كثيرة، ومن بينها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، أن برنامج مكافحة الاحترار العالمي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي يقضي بإبقاء متوسط درجة الحرارة العالمية عند مستوى لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية، أنه يجب أن يشمل العمل على تطوير قطاع الطاقة النووية باعتبارها مصدراً هاماً للطاقة الكهربائية منخفضة الكربون ومصدراً للطاقة الحرارية قادراً على الإسهام في تخفيف آثار ظاهرة التغير المناخي.

ويمكننا اعتبار أن التنمية المكثفة لقطاع الطاقة النووية تشكل إحدى وسائل مكافحة الاحتباس الحراري. ونحن في شركة «روساتوم» نفتخر بمساهمتنا في إنتاج طاقة نظيفة وموثوق بها. واسمحوا لي أن أقدم لكم مثالاً على ذلك.

«روساتوم» حالياً مسؤولة عن تشغيل نحو 40 وحدة توليد طاقة في روسيا، وتساعد هذه الوحدات في تجنب انبعاث أكثر من 100 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وذلك إضافة إلى منع انبعاث 100 مليون طن أخرى بفضل تشغيل المحطات النووية روسية التصميم خارج أراضي البلاد، ما يعادل إزالة 57 مليون سيارة من الطرق. وبالتالي، فإن الطاقة النووية بصفتها مصدراً قوياً لتوليد كهرباء الحمل الأساسي، تسهم في إزالة الكربون.

كم تبلغ نسبة الطاقة النووية التي تنتجها «روساتوم» من إجمالي توليد الطاقة في العالم وفي الدول العربية؟

في عام 2020 كانت الطاقة النووية تشكل أكبر مصدر صافٍ لتوليد الكهرباء في روسيا بحصة سوقية بلغت 20.28 في المائة. وإذا أضافنا الطاقة المنتجة من مصادر الطاقة الكهرومائية والمتجددة إلى التوليد النووي فستبلغ حصتها نحو 40 في المائة من إجمالي توليد الكهرباء في البلاد.

ولا تزال مشروعات «روساتوم» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مرحلة التنفيذ، وهي تشمل إنشاء محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة بمصر، وتتكون من 4 وحدات طاقة من نوع VVER - 1200. وستكون القدرة الإنتاجية للمحطة بعد الانتهاء من جميع مراحل التنفيذ 4800 ميغاواط. وتبني «روساتوم» محطة «أكويو» للطاقة النووية في تركيا التي ستتزود أيضاً بـ4 وحدات طاقة VVER - 1200 تبلغ قدرتها الإجمالية 4800 ميغاواط.

كيف ترون مستقبل الطاقة النووية في سياق سعي الحكومات للوصول إلى الحياد الكربوني؟

من الناحية الرسمية، لا تصنف الطاقة النووية حتى الآن كمصدر للطاقة المتجددة، لكنها تشكل مصدراً للطاقة النظيفة. فمحطات الطاقة النووية لا تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري أثناء التشغيل، وهي توفر طاقة نظيفة وموثوقة وبأسعار معقولة، ما يحفز التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق والبلدان بأكملها. وفي الوقت الحالي يمنع تشغيل محطات الطاقة النووية بالفعل انبعاث 2 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ما يعادل إزالة 400 مليون سيارة من الطرق سنوياً.

وفي الفترة الممتدة بين عامي 1975 و2018 ساهمت الطاقة النووية في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بواقع 74 غيغاطن. الطاقة النووية، التي توفر نحو 10 في المائة من الكهرباء في العالم ونحو 30 في المائة من إجمالي الكهرباء منخفضة الكربون المنتجة عالمياً، ستلعب دوراً هاماً في تحقيق مستقبل منخفض الكربون، إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الكهرومائية والشمسية. نعتقد أن مفهوم «المربع الأخضر» يجب أن يكون هو السائد لإيجاد حل ناجع للتحديات المناخية حيث ستكون الطاقة النووية مصدراً لكهرباء الحمل الأساسي بينما ستغطي مصادر الطاقة المتجددة احتياجات الحمل المتغير.

هل تشكل تكلفة بناء محطة نووية عائقاً أمام التوسع في استخدامات الطاقة النووية عند مقارنتها مع تكلفة مصادر الطاقة المتجددة الأخرى مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية؟
نظراً إلى أن محطات الطاقة النووية تعتبر مصدراً لكهرباء الحمل الأساسي، فيما تعد الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) مصادر للحمل المتغير، فإن المقارنة بين هذين المصدرين للطاقة من حيث التكاليف غير مناسبة. وفي وقت لا تستطيع فيه مصادر الطاقة المتجددة أن تحل محل الطاقة التقليدية تماماً وكذلك عندما تكون القدرات الإنتاجية للطاقة النووية غير كافية، فإن التخلي عن الطاقة التقليدية لصالح المصادر المتجددة قد يؤدي إلى تقلبات للأسعار في السوق لا يمكن التنبؤ بها، وهي حالة نشهدها الآن في بعض الدول الأوروبية.

صحيح أن تكلفة إنشاء محطة طاقة نووية قد تكون أعلى بالمقارنة مع إنشاء محطة للطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، لكن ذلك يعود إلى قدرة المحطة بعينها. مع ذلك تبدأ المحطة النووية بتقديم إسهام في ميزانية الدولة حتى في مرحلة البناء. وخلال فترة تشغيلها التي يمكن أن تصل إلى 80 عاماً، ستفوق الأرباح المالية من تشغيل محطة الطاقة النووية حجم الاستثمارات الأولية التي تم إنفاقها على إنشائها بعدة أضعاف، بما في ذلك العائدات الضريبية وتوطين صناعة مكونات المحطة وتطوير الصناعات ذات الصلة وتوفير فرص عمل لآلاف من الناس وتطوير النظام التعليمي المحلي.

المزيد هنا
Source: الشرق الأوسط