حلم مصر النووي على وشك أن يتحقق...
مع قيام الحكومة المصرية هذا العام بالتوقيع على العقود النهائية لإقامة محطة الضبعة النووية، ستكون مصر على أعتاب مرحلة جديدة لتحقيق حلمها النووي الذي راودها لأكثر من نصف قرن، وذلك منذ إعلان مصر عن أولى خططها لإطلاق برنامج نووي طموح عام 1954. وخلال العقود الستة الماضية، قطعت مصر شوطاً طويلا في سبيل تحقيق هذا الحلم. فبعد العديد من الإخفاقات، أصبحت البلاد على بُعد خطوات من جني ثمار أولى محطاتها النووية. ولكن مع مرور عقود طويلة على بناء مصر للسد العالي، أحد أهم مشروعات مصر القومية الذي يتمتع بأهمية قومية وتاريخية كبيرة، يأتي السؤال الهام: ما الذي يعنيه إقامة محطة الضبعة النووية لمصر وشعبها؟
إنّ إقامة المحطات النووية المتطورة يضع الدول الوافدة للنادي النووي في مقدمة دول العالم المتقدم، من خلال المزايا الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية المرتبطة بهذا النوع من التطبيقات التكنولوجية، خاصة مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي وصل إليه قطاع الطاقة النووية على مستوى العالم.
ومن أكثر مزايا المحطات النووية وضوحاً هي قدرتها على توليد الطاقة الكهربائية، حيث تبلغ القدرات الصافية لتوليد الطاقة الكهربائية في محطة الضبعة النووية4800 ميجاوات، وهو ما من شأنه زيادة حجم الطاقة الكهربائية المولّدة على المستوى القومي، وبالتالي توفير طاقة اقتصادية لملايين المصريين، والأكثر من ذلك، زيادة قدرة مصر على تصدير الطاقة في المستقبل، ودعم مكانتها الاستراتيجية التي تستحقها بالمنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تأثير مشروع بهذا الحجم ستظهر آثاره حتى من قبل إقامة المحطة بوقت طويل. فعلى سبيل المثال، يصل حجم المساهمة المحلية في إقامة محطة الضبعة لحوالي 20%، وهي نسبة عالية خاصة في دولة لم يكن بها أية محطات نووية من قبل، بل أنّ هذه النسبة مرشحة للارتفاع مع إقامة كل مفاعل من المفاعلات النووية الأربعة التي تضمها المحطة.
وخلال مرحلة الانشاءات فقط، سيوفر المشروع من 10,000 إلى 12,000 فرصة عمل للعمالة المصرية المدربة. ومع بدء عمليات تشغيل المحطة وأعمال الصيانة المتنوعة، ستوفر محطة الضبعة النووية من 2500 إلى 3000 فرصة عمل للمتخصصين والمحترفين في هذا المجال.
وبالطبع ستصاحب عمليات التوظيف الواسعة التي يشهدها المشروع العديد من الفرص التدريبية والتعليمية وفرص تنمية المهارات والقدرات، لتأهيل جيل جديد من المصريين للعمل في هذا القطاع. وستقوم شركة روساتوم الروسية، المقاول الرئيسي لمحطة الضبعة النووية، بتنظيم العديد من البرامج التدريبية في مصر وروسيا لتحقيق هذه الأهداف، وتضم هذه البرامج 2000 كادر مصري متخصص سيعملون في المحطة بعد إقامتها.
من ناحية أخرى، تنظم روساتوم عدداً من البرامج التدريبية المشتركة مع كبرى الجامعات المصرية ومنها جامعة الإسكندرية، حيث من المقرر أن يقوم حوالي 300 طالب مصري بدراسة العلوم النووية في روسيا خلال السنوات القليلة القادمة.
أما فيما يتعلق بالآثار غير المباشرة لمحطة الضبعة النووية على التنمية الاقتصادية في مصر، فإنّ إقامة هذه المحطة سيعمل على تحفيز النمو في العديد من القطاعات الاقتصادية غير المرتبطة بشكل مباشر بالقطاع النووي، مثل قطاع الانشاءات والمرافق والقطاع الاستهلاكي، مع زيادة القوة الشرائية للمصريين. وتشير التقديرات الأولية إلى أن حجم هذه التأثيرات سيصل إلى 7-9 مليارات دولار خلال الانشاءات الخاصة بالمحطة وحدها.
ومن المزايا الأخرى للمشروع، والتي تؤثر مباشرة على قطاع السياحة المصري الذي يعاني من تحديات كثيرة حالياً، هو تحويل المشروع لمنطقة الضبعة من منطقة لم تخضع للتنمية من قبل إلى مقصد سياحي هام. إنّ العلاقة بين الطاقة النووية والتنمية السياحية هي علاقة متينة شهدتها العديد من المشروعات النووية السابقة، مثل منطقة أنجرا دوس ريز، التي أصبحت حالياً منتجع ساحلي جنوب شرق البرازيل. هذه المنطقة هي مقر المحطة النووية الوحيدة التي تمتلكها البرازيل، والتي تُعد في الوقت نفسه من أكبر المشروعات التي توفر وظائف في تلك المنطقة.
ومنذ بدء الانشاءات الخاصة بالمحطة عام 1971، كانت المحطة عاملاً رئيسياً في تحويل منطقة أنجرا دوس ريز من منطقة قروية عشوائية إلى منتجع سياحي كبير ومعروف، مع مساهمة المشروع كذلك في تطوير الصناعات التقليدية والحديثة في المنطقة، وهو ما انعكس على مستوى معيشة السُكّان.
لقد وقّعت مصر وروسيا عام 2015على اتفاقية حكومية مشتركة لإقامة محطة الضبعة النووية، حيث أشار وقتها الرئيس/عبد الفتاح السيسي إلى أنّ امتلاك مصر لبرنامجها النووي لتوليد الكهرباء هو حلم طالما راود المصريين. ومع قرب إقامة تلك المحطة، يتحقق هذا الحلم ليكون أكثر من مجرد هدفاً لتوليد الكهرباء على المستوى القومي.