لا يخفى على أحد التغيرات التي بدأت تطرأ على المشهد العام للطاقة العالمية، مع تحرك كثير من الدول نحو تبني اقتصادات منخفضة التركيز على الكربون كمصدر للطاقة، بل بدأنا نرى تغيرات جذرية لم نشهدها منذ عقود على مزيج الطاقة. 
ولما كانت الطاقة النووية مصدراً لا انبعاثات بيئة له، فقد قُدِّر له أن يمثل دوراً كبيراً في مزيج الطاقة المستدام في المستقبل، فليس الأردن حالة استثنائية في تطبيق برنامج توليد الطاقة النووية.
 روسيا: تاريخ من الإبداع في الطاقة النووية يحتفل قطاع الطاقة النووية الروسي بالذكرى الثانية والسبعين على إدخالها في البلاد في 28 أيلول الجاري لهذا العام. 
واليوم، تعمل مؤسسة روساتوم الروسية على إنشاء 34 مفاعلاً في 12 بلداً تمتد من فنلندا إلى الصين لتكون هي الأولى في العالم في تشييد محطات الطاقة النووية، وعنصراً محورياً في الشرق الأوسط. 
وبهذا المعنى، يمكن لنا إذا نظرنا إلى تاريخ الصناعة النووية الروسية أن نستفيد من الدروس السابقة في التصدي للتحديات وإدارة التغيرات إذا ما أردنا مواكبة العصر والمضي قدماً إلى المستقبل. الآن، تُنشأ المرافق والمؤسسات النووية بأفضل التقانات، بعد أن كانت في الماضي البعيد تنشأ ضمن ظروف بسيطة جداً كان العلماء يعتمدون فيها على أدوات بدائية بسيطة وجهدهم الإبداعي للاختراع ولتأسيس العمليات التي يأملون توحيدها في هذا القطاع الصناعي. وفي نهاية المطاف، نجحت الجهود وتكللت في عام 1954 بإطلاق الاتحاد السوفييتي لأولى محطات الطاقة الكهربائية النووية التجارية في العالم في مدينة أوبنينسك الواقعة على مبعدة 11 كم من جنوب غرب موسكو.
 ومع أنَّ إنتاج المحطة لم يتجاوز خمسة ميغاواط وهو لا يمثل شيئاً كبيراً مقارنة باستطاعة وحدات توليد الطاقة النووية الحالية التي تتجاوز ألف ميغاواط، هناك أمر مثير للاهتمام لعله يتمثل في أنَّ هذا التحول الجذري في تاريخ الطاقة النووية قد أُنجِزَ خلال أقل من خمس سنوات من المرسوم التشريعي الذي أصدرته الحكومة السوفييتية بشأن إنشاء برنامج سلمي للطاقة النووية.  فمنذ البدء، كان الإبداع جزءاً لا يتجزأ من جهود العلماء والمهندسين التي بدأت تتجلى في سلسلة متلاحقة من التطورات منها كاسحة الجليد النووية الأولى من نوعها في العالم، وأولى المحطات النووية لتحلية المياه وأولى المفاعلات النيوترونية السريعة (التي تستخدم وقوداً نووياً مكرراً ما يؤدي إلى خفض النفايات النووية وزيادة الكفاءة) وما هذه سوى أمثلة قليلة عن التقدمات التي وسَّعت من آفاق الصناعة النووية السلمية العالمية. 
وفي عام 1964، أطلق الاتحاد السوفييتي أول مفاعل يعمل بضغط الماء من نوع في في أي ار ليكون واحداً من المفاعلات الأكثر استخداماً وموثوقية في العالم، فأُنشِأَت عشرات من المفاعلات من هذا النوع وما زالت قيد العمل والاستخدام في العالم. 
واليوم، هناك الجيل الثالث من تقانة مفاعلات VVER التي تعد واحدة من أكثر المفاعلات أماناً في الوجود. 
وما زالت روح الإبداع حية نابضة في مؤسسة روساتوم إذ تنظر إلى المستقبل على أنَّ الحياة تتقدم والمستقبل ينتظرنا وأنَّ التقانة النووية ستكون جزءاً لا يتجزأ من المستقبل المستدام. 
واليوم، تتبوأ روسيا موقع الصدارة في مجال التطبيقات النووية من توليد للكهرباء إلى الطب النووي والتشعيع الزراعي والبحوث النووية والتعليم. ولما كانت روسيا تحظى بمنظومة واسعة من المنشآت التعليمية والتدريبية، حظيت بقدرة على تدريب كوادرها بالطبع وتدريب المتخصصين أيضاً من دول أخرى بما فيها الأردن إذ استقبلت كبرى الجامعات الروسية ما يزيد عن مائة من الطلاب والخريجين في دراسة الهندسة النووية. 
لقد أصبحت الصناعة النووية الروسية اليوم مثالاً يثبت قدرة توليد الطاقة التي حفزت تطوير البرنامج الروسي النووي السلمي على إحداث تقدمات هائلة في التطبيقات النووية الأخرى مثل الطب النووي والتشعيع الزراعي وفي التربية والتعليم والتكنولوجيا وغيرها من المجالات.  وما هذا إلا بشير خير للأردن الذي وإن كان حديث العهد في خطِّ تاريخه النووي صمم على جني ثمار التغيير الإيجابي في كثير من المجالات الأخرى وفي حياة الناس ورفاههم.
Source: Alqalah News